إخوان سنة وشيعة
عقيل ميرزا ... سكرتير التحرير
aqeel.mirza [at] alwasatnews.com
تصغير الخطتكبير الخط
الأول حجي علي الجزيري، والثاني حجي محمد الحدي، التقيا أول مرة في شركة نفط البحرين (بابكو) ارتاح كل منهما للآخر، فاختارا أن يكونا أخوين من دون أبوين، حتى سكنت روح كل منهما في جسد الآخر، وعبرا وحل المذهبية والطائفية، واختارا الإسلام ديناً، والبحرين وطناً، والأخوة نسباً.
انصهارهما ببعضهما جعلهما يفكران في مشروع تجاري صغير يديرانه معاً، وبدأ الاثنان مرحلة جديدة من عمرهما المديد، مرحلة مرصعة بجواهر الحب، ولآلئ الود، ومعطرة بعبق هذه الأرض التي احتضنت السنة والشيعة فكانت أمّاً للجميع.
كان الاثنان يقتسمان القرص معاً، فيأكلان، ويطعم الأول أولاده في البلاد القديم، ويطعم الثاني أولاده في الحد، ويلتقي الاثنان صباح كل يوم في محلهما التجاري في المنامة، وكان الواحد منهما يتفاءل بيومه عندما يرى أخاه صباحاً، ويودعه كل مساء على أمل اللقاء به في الغد.
مرت السنون طويلة، منهكة، ومضنية، وأخوتهما تزداد متانة وحصانة، فمثل هذه الأخوة، قد لا تلحظها حتى بين أبناء الأم الواحدة، وبعد نحو خمسين عاماً من هذا المشوار الناصع المشرف لهما وللبحرين، بدأ الزمن يأكل من عمريّ الجزيري والحدي، وبدأت تجاعيد الوجه ترسم على جبهتيهما تفاصيل مسيرة حياتهما الطويلة التي تنفسا فيها هواءً نقياً خالياً من الشوائب البغيضة، ومع تقدم العمر بهما كانت الأمراض تتسابق إليهما، فكانا يعانيان من كل مرض، إلا من مرض الطائفية البغيضة، فهما منه في عافية وصحة وسلامة ونقاء.
المرض أسكن الاثنين في منزليهما، فصار يتعذر على أحدهما زيارة الآخر، ولكن كان كلاهما يزور ذكرياته مع الآخر كل لحظة، من لحظات فراش المرض.
في يوم من الأيام، احتاج حجي علي الجزيري إلى المستشفى، وقد نقل إلى أحد الأجنحة، ورقد في غرفة كان يسمع فيها أنين جاره الذي كان ينازع اللحظات الأخيرة، وشاءت الأقدار أن يكون هذا الجار الذي يستعد للرحيل عن الحياة هو حجي محمد الحدي، فالاثنان أبيا إلا أن يلتقيا على عتبة الموت، وتعانقا عناق الأحبة، وبعدها بأيام أو بساعات، رحل الحاج محمد الحدي (السني) عن هذه الحياة، وكان آخر ما وقعت عليه عيناه في هذه الدنيا هو الحاج علي الجزيري (الشيعي) وبعد فترة التحق الجزيري بالحدي وانتهت مسيرة الاثنان بصحيفة نظيفة ناصعة.
هكذا عاش السنة والشيعة على هذه الأرض، ولن تدفن هذه الأخوة بدفن حجي علي وحجي محمد، لأن أرض البحرين لا تجيد تربية أبنائها إلا على الحب والخير والصدق.
أعلم أن هناك من يعير هذا الشعب بشعار إخوان سنة وشيعة، ويبذل جهداً جهيداً كل يوم ليثبت خلاف هذه الأخوة، ولكن هؤلاء القلة لم يتذوقوا حلاوة هذه الأخوة، فهاجموها، وهاجموا من يرفعها شعاراً، لأن أمثال هؤلاء الطارئين على هذا الوطن، لا يجدون لهم مكاناً إذا تآخى الجميع، فهم يقتاتون على التناحر، والتخاصم، لذلك تجدهم يهسترون عندما يسمعون شعار «إخوان سنة وشيعة».
عقيل ميرزا
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3953 - الخميس 04 يوليو 2013م الموافق 25 شعبان 1434هـ